فصل: (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.(بَابُ الْحُقُوقِ):

(وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَعْلَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ. وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ بِكُلِّ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَعْلَى، وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا فَلَهُ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ) جَمَعَ بَيْنَ الْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَالدَّارِ، فَاسْمُ الدَّارِ يَنْتَظِمُ الْعُلُوَّ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَالْعُلُوُّ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ فَيَدْخُلَ فِيهِ.
وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ إذْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَنْزِلُ الدَّوَابِّ، فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ.
وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ خَانَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ عُلُوٍّ، وَكَمَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي اسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْكَنِيفُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ إلَّا بِذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.
وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَشَابَهَ الْكَنِيفَ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْحُقُوقِ):
مَحِلُّ هَذَا الْبَابِ عَقِيبَ كِتَابِ الْبُيُوعِ قَبْلَ الْخِيَارِ.
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ) حَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْتُ، وَالْمَنْزِلُ، وَالدَّارُ.
فَالْبَيْتُ أَصْغَرُهَا وَهُوَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ جُعِلَ لِيُبَاتَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ لَهُ دِهْلِيزًا.
وَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّ عُلُوَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ: يَعْنِي إذَا بَاعَ الْبَيْتَ لَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ.
وَإِنْ قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الْعُلُوِّ صَرِيحًا لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ مُسَقَّفٌ يُبَاتُ فِيهِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ بَلْ مَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ.
وَأَوْرَدَ: الْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَالْمُكَاتِبِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ، بَلْ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مَا مَلَكَ كَذَلِكَ، وَالْمُكَاتِبُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لَمَّا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ عَبْدَهُ مِنْ أَكْسَابِهِ.
وَالْمَنْزِلُ فَوْقَ الْبَيْتِ دُونَ الدَّارِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَكَانٍ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَنْزِلُ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَهُ مَطْبَخٌ وَمَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِالْعِيَالِ مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ صَحْنٌ غَيْرُ مُسَقَّفٍ وَلَا إصْطَبْلُ الدَّوَابِّ فَلِكَوْنِ الْبَيْتِ دُونَهُ صَلَحَ أَنْ يَسْتَتْبِعَهُ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِنْهُ، أَوْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ.
وَالدَّارُ اسْمٌ لِسَاحَةٍ أُدِيرَ عَلَيْهَا الْحُدُودُ وَتَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَإِصْطَبْلٍ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ وَعُلُوٍّ فَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّحْنِ لِلِاسْتِرْوَاحِ وَمَنَافِعِ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَبْنِيَةِ بِالتُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بِالْخِيَامِ وَالْقِبَابِ، وَالْعُلُوُّ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ عَلَى شِرَاءِ الدَّارِ، وَكَذَا يَدْخُلُ الْكَنِيفُ الشَّارِعُ.
وَالْكَنِيفُ هُوَ الْمُسْتَرَاحُ، أَمَّا الظُّلَّةُ وَهُوَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ وَالْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أُسْطُوَانَاتٍ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مَا لَمْ يَقُلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قولهِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا أَوْ مَرَافِقهَا أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَهُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الظُّلَّةُ بِتَأْوِيلِ السَّابَاطِ (مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلُ) بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ، وَلِأَنَّ مِفْتَحَهَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ كَانَتْ تَبَعًا لِلدَّارِ كَالْكَنِيفِ الشَّارِعِ قَالُوا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ: أَيْ عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ (أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ) مَا ذُكِرَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا فَوْقَهُ عُلُوٌّ أَوْ مَنْزِلًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى خَانَهُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ وَلَهُ عُلُوٌّ سَوَاءً كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا دَارَ السُّلْطَانِ تُسَمَّى سُرَايَ.

متن الهداية:
قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، (وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ) لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلَ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَشْتَرِي الطَّرِيقَ عَادَةً وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فَيَدْخُلَ تَحْصِيلًا لِلْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ، أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَادَةً يَشْتَرِيهِ، وَقَدْ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا) فِيهَا (أَوْ مَسْكَنًا) فِيهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ) فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى ذَلِكَ الْمُشْتَرَى (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلَ بِذِكْرِهَا) وَفِي الْمُحِيطِ: الْمُرَادُ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، فَأَمَّا طَرِيقُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَإِلَى طَرِيقٍ عَامٍّ فَيَدْخُلُ، وَكَذَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ خَاصَّةً.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلُ مَائِهَا فِي دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ بِقولهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي هَذِهِ الدَّارُ يَدْخُلُ وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي الْكِتَابِ.
فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَشْتَرِ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا اشْتَرَى شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا يَدْخُلُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا بِذِكْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَالْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ جُذُوعُ دَارٍ أُخْرَى عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ لِدَارٍ أُخْرَى أَوْ سَيْلُ مَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِلْبَائِعِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ.
وَقولهُ (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) مُتَّصِلٌ بِقولهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ: يَعْنِي فِي الْإِجَارَةِ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ وَلَا انْتِفَاعَ بِغَيْرِ دُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا عَيْنًا، بَلْ إمَّا كَذَلِكَ أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا أَوْ يَأْخُذَ نَقْضَهَا فَلَمْ تَتَعَيَّنْ فَائِدَةٌ لِلْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْأَرْضُ السَّبِخَةُ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ ذَلِكَ.
وَفِي الْكَافِي: وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عُلُوًّا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عُلُوًّا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ يَصِحُّ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعُلُوُّ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ صَحَّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبُيُوعِ الْمَاضِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ سَاحَةِ الْعُلُوِّ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، وَالْمَبِيعُ الْبِنَاءُ لَا السَّاحَةُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَوَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يُشْكِلُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَفِيهَا صِفَةٌ فِيهَا بَيْتٌ وَبَابُهُ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلُ مَاءِ ظَهَرَ الْبَيْتِ عَلَى ظَهْرِ الصِّفَةِ فَاقْتَسَمَا فَأَصَابَ الصِّفَةَ أَحَدُهُمَا وَقِطْعَةً مِنْ السَّاحَةِ لَمْ يَذْكُرُوا طَرِيقًا وَلَا مَسِيلًا وَصَاحِبُ الْبَيْتِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَسِيلَ مَاءَهُ فِي ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْحُقُوقُ تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا أَدْخَلْتُمُوهَا تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْإِجَارَةِ.
أُجِيبُ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَوْضِعَ الشُّرْبِ لَيْسَ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَإِنَّمَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ، وَالْآجِرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا بِالِانْتِفَاعِ، أَمَّا هُنَا فَمَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُمَا كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، فَمُوجِبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ دُونَ رِضَاهُ، وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا اشْتِرَاطُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ طَرِيقٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَتَسْيِيلُ مَائِهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ، وَفِي الْقِسْمَةِ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ وَأَمْكَنَهُ الطَّرِيقُ وَالتَّسْيِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَتَطَرَّقُ وَيَسِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ فَطُولِبَ بِالْفَرْقِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ إيجَادُ الْمِلْكِ مِنْ الْعَدَمِ لِقَصْدِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَمَا شَرَطَهُ يَتِمُّ مُطْلَقًا.
وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، إذْ لَوْ لَمْ يُرْدِ ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذِكْرُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ.

.(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ):

(وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيَّنَةٌ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَيَكُونُ لَهُ، أَمَّا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ.
ثُمَّ قِيلَ: يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ تَبَعًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَائِدِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ فِي الْحُكْمِ، فَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ تَبَعًا.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ):
حَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ تَمَامِ أَبْوَابِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ بَعْدَ التَّمَامِ ظَاهِرًا، وَلَكِنْ لَمَّا نَاسَبَ الْحُقُوقَ لَفْظًا وَمَعْنًى ذُكِرَ عَقِيبَهُ.
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ) فَإِنْ كَانَ (بِبَيِّنَةٍ) اسْتَحَقَّ وَلَدَهَا مَعَهَا وَأَرْشَهَا إنْ كَانَ (وَإِنْ) كَانَ (بِـ) مُجَرَّدِ (إقْرَارِ) الْمُشْتَرِي (لَهُ بِهَا) لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ بِذَلِكَ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ غَيْرُ مُقْتَصِرَةٍ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ (فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيَّنَةٌ) لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ بِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكٍ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ وَلَا الْقَاضِي، وَإِنَّمَا تُظْهِرُ الْبَيِّنَةُ مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ قَبْلِيَّةً لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ وَاشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِقَضَاءٍ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارُوا مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ، كَمَا لَوْ ادَّعَتْ فِي يَدِ الْأَخِيرِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ حَيْثُ يَرْجِعُونَ فَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْبَيِّنَةِ الْمِلْكَ فَيَكُونُ لَهُ (أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) عَلَى الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ خَبَرِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِثْبَاتِهِ فِي الْحَالِ، وَالْوَلَدُ فِي الْحَالِ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ بِهَا فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ لَهُ.
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقَرِّ لَهُ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ، فَلَوْ ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْوَلَدَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْأُمِّ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْقَضَاءِ فَيَصِيرُ هُوَ أَيْضًا مَقْضِيًّا بِهِ،؟ قِيلَ نَعَمْ تَبَعًا كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِهِ تَبَعًا (وَقِيلَ) لَا، بَلْ (يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ أَصْلُ يَوْمِ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ) الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوَائِدَ لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ غَائِبٍ لَمْ تَدْخُلْ، فَحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ أَمْرٌ جَائِزٌ عُرِفَ أَنَّهُ يَشْتَرِي الْقَضَاءَ بِالْوَلَدِ بِخُصُوصِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ، وَلَكِنْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَتَبِعَهُ الْجَمَاعَةُ، فَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ بَيْعَ فُضُولِيٍّ: يَعْنِي بَائِعَ الْمُشْتَرِي الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيهِ إذَا وُجِدَ عَدَمُ الرِّضَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا: يَعْنِي الْمَوْقُوفَ الْمَفْسُوخَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ.
وَاسْتَوْضَحَ بِمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى الْمُشْتَرِي يَوْمًا لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لَكِنْ بِمُقْتَضَى الشِّرَاءِ وَقَدْ انْفَسَخَ الشِّرَاءُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْفَسِخُ الْإِقْرَارُ.
ثُمَّ قَالَ: لَا جَرَمَ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ أَقَرَّ نَصًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ يَوْمًا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لَهُ لَمْ يَبْطُلْ.
وَنَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ قِسْمَةِ خُوَاهَرْ زَادَهُ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ الْمُتَصَوَّرُ.
وَقولهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا إنْ أَرَادَ دَلِيلَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ بِلَازِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا بِأَنْ يَذْهَبَ مِنْ يَدِهِ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ وَيُثْبِتْهُ اسْتَمَرَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عَيْنُهُ وَلَا بَدَلُهُ فَإِثْبَاتُهُ لِيَحْصُلَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْبَدَلُ بِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَيَصِلَ الثَّمَنُ إلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ إثْبَاتَ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَ مَلْزُومًا لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ، بَلْ الْمُحَقَّقُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ لِعَدَمِ الرِّضَا بِذَهَابِهِ وَذَهَابِ بَدَلِ عَيْنِهِ.
وَأَمَّا مَا اسْتَوْضَحَ بِهِ مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَلَيْسَ مُفِيدًا لَهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ عَدَمُ الرِّضَا بِالْمَبِيعِ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْ وَأَجَازَهُ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ مُجَرَّدِ إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْقَضَاءِ بِهِ حَتَّى ظَهَرَ مِلْكُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْفَتَّاحُ الْجَوَادُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مَرْجُوَّ إلَّا خَيْرُهُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: مِمَّا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ اسْتِحْقَاقِ الْعَقْدِ السَّابِقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَا يُوجِبُ نَقْضَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقول فِي أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى يَنْفَسِخُ أَقْوَالُ: قِيلَ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحِقُّ، وَقِيلَ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبِيَاعَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ: رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِصُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى.
وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا أَيْضًا: إذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثَابِتٌ إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي فَيَلْزَمُ الْعَجْزُ فَيَنْفَسِخُ انْتَهَى.
يَعْنِي يَلْزَمُ الْعَجْزُ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَفْسَخَ الْمُسْتَحِقُّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ، نَعَمْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ اتِّفَاقُ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَاسْتَمَرَّ غَيْرَ مُجِيزٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ فَإِنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ عَنْ الْإِجَازَةِ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْإِجَازَةِ، وَلَمْ يُجِزْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ وَقَدْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ لَهُ)، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ وَرَجَعَ هُوَ عَلَى الْبَائِعِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا) أَيْ اشْتَرَى إنْسَانًا (قَالَ لَهُ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) أَيْ يُدْرَى مَكَانُهُ (لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ بَائِعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ) بِمَا دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (عَلَى بَائِعِهِ) بِمَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَدَّى عَنْ آخَرَ دَيْنًا أَوْ حَقًّا عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَيْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَائِهِ أَوْ قَالَ اشْتَرِنِي وَلَمْ يَقُلْ فَإِنِّي عَبْدٌ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.

متن الهداية:
وَإِنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا مُقِرًّا بِالْعُبُودِيَّةِ فَوَجَدَهُ حُرًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَالْمَوْجُودُ لَيْسَ إلَّا الْإِخْبَارُ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَمَرَهُ وَإِقْرَارِهِ أَنِّي عَبْدٌ، إذْ الْقول لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْآمِرُ بِهِ ضَامِنًا لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجِبُهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى يَجُوزَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقولهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ.
وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا قول الْمَوْلَى بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى.
وَقِيلَ إذَا كَانَ الْوَضْعُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَالدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ.
وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لَكِنَّ التَّنَاقُضَ غَيْرُ مَانِعٍ لِخَفَاءِ الْعَلُوقِ وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ فِي الْإِعْتَاقِ فَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ لِاسْتِبْدَادِ الْمَوْلَى بِهِ فَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالْمُكَاتَبِ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.
الشَّرْحُ:
(وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا مُقِرًّا بِالرِّقِّ فَظَهَرَ حُرًّا) وَقَدْ كَانَ قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدُ الرَّاهِنِ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يُعْرَفُ مَكَانُهُ أَوْ لَا يُعْرَفُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (عَنْهُمْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ (لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ) وَهِيَ الْمُبَايَعَةُ هُنَا (أَوْ بِالْكَفَالَةِ) وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثَابِتًا (بَلْ) الثَّابِتُ (لَيْسَ إلَّا) مُجَرَّدُ (الْإِخْبَارِ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ) لِشَخْصٍ (ذَلِكَ) وَكَقول الْعَبْدِ (ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ ثَانِيًا. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ) فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَالتَّغْرِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَانَ بِتَغْرِيرِهِ (ضَامِنًا) لِدَرْكِ (الثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ)، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ (كَالْمَوْلَى إذَا قَالَ) لِأَهْلِ السُّوقِ (بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ) فَفَعَلُوا (ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ) فَإِنَّهُمْ (يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ضَامِنًا لِدَرْكِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ بَلْ عَقْدَ وَثِيقَةٍ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فَلَوْ هَلَكَ يَقَعُ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ لَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ تَغْرِيرًا فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ أَمْنِ هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ اُسْلُكْهُ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَنُهِبَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ عَذَابًا لَا يُطَاقُ (وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقولهِ) فَالرَّجُلُ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّعْوَى) أَيْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ (شَرْطٌ) فِي الْقَضَاءِ بِبَيِّنَتِهَا وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنَّ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ تُنَاقِضُ تَصْرِيحَهُ بِرِقِّهِ.
فَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (فَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ) كَقولهِمَا فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مُطْلَقًا (لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ أُمِّهِ) عَلَى السَّيِّدِ وَتَحْرِيمَ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِهَا، وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّهُ تَعَالَى وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ حَتَّى أَنَّ الشُّهُودَ يَحْتَاجُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَى تَعْيِينِ الْأُمِّ، وَالْحُرُمَاتُ لَا تَحْتَاجُ فِي الْقَضَاءِ بِهَا إلَى الدَّعْوَى، وَإِذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى الدَّعْوَى لَا يَضُرُّ التَّنَاقُضُ فِيهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الدَّعْوَى (شَرْطٌ) مُطْلَقًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَدَعْوَى الْإِعْتَاقِ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْعِتْقِ الْعَارِضِ (لَكِنَّ التَّنَاقُضَ) فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِهَا، أَمَّا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (فَلِخَفَاءِ) حَالِ (الْعَلُوقِ) فَإِنَّهُ يُسْبَى مَعَ أُمِّهِ أَوْ بِدُونِهَا وَلَا يُعْلَمُ بِحُرِّيَّتِهَا وَرِقِّهَا حَالَ الْعَلُوقِ بِهِ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ ثُمَّ تَظْهَرُ لَهُ حُرِّيَّةُ أُمِّهِ فَيَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَفِي الْإِعْتَاقِ الْعَارِضِ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ ثُمَّ يَعْلَمُهُ فَيَدَّعِيهِ، وَالتَّنَاقُضُ فِي دَعْوَى مَا فِيهِ خَفَاءٌ يُعْذَرُ فِيهِ (وَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَطْلِيقِ) الزَّوْجِ إيَّاهَا (ثَلَاثًا قَبْلَ اخْتِلَاعِهَا) تُقْبَلُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى سُؤَالِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إقْرَارٌ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالرِّقِّ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّنَاقُضُ لِلْخَفَاءِ فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ.
وَذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَخَاطَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَقَالَ هَذَا الْقَمِيصُ لِي وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الثَّوْبُ إلَى الضَّامِنِ، فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْكَذِبِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ يُقْضَى بِهَا لَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ.
وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً وَطَحَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ؛ وَلَوْ قَالَ كَانَتْ قَبْلَ الطَّحْنِ لِي يَرْجِعُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَشَوَاهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّأْسَ وَالْأَطْرَافَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ لَهُ فَقُضِيَ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْقَاقُ عَيْنِ الشَّاةِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) مَعْنَاهُ حَقًّا مَجْهُولًا (فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقول دَعْوَايَ فِي هَذَا الْبَاقِي.
قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّ التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (حَقًّا فِي دَارٍ) أَيْ مَجْهُولًا فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ (الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الَّذِي صَالَحَهُ (بِشَيْءٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقول مُرَادِي مِنْ الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْته أَوْ الْحَقِّ الَّذِي أَدَّعِيهِ هَذَا الْبَاقِي (وَلَوْ) كَانَ (ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ، لِأَنَّ التَّوْفِيقَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَتِهِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى) أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ عِنْدَنَا (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ)، وَالْآخَرُ أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ لِأَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِذَا لَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَا تُقْبَلُ، أَمَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ.
فُرُوعٌ:
اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ أَوْ ادَّعَاهُ فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ هُوَ أَوْ أَنْكَرَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ لَيْسَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَحَلَفَ فَنَكَلَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ النُّكُولَ مِنْ الْمُضْطَرِّ كَالْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ وَلَا سَلَامَتَهُ.
وَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ لِتَنَاقُضِهِ، فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِذَا ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ تَنَاقَضَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَنَاقُضِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَهِيَ تَدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ وَهُوَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ شِرَائِهَا حَيْثُ يُقْبَلُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّ مَا بَاعَهُ وَقْفٌ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ يُقْبَلُ، وَلَوْ بَرْهَنَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ أَنَّهَا مُعْتَقَةُ فُلَانٍ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ الْكُلُّ إلَّا مَنْ كَانَ قِبَلَ فُلَانٍ.
اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا فَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا حُضُورُهُمَا.
وَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِهَا بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ هُوَ بَاعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي قُبِلَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْقُضُهُ.
وَلَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْهُ يَأْخُذُهَا وَتَبْقَى لَهُ وَلَا يَعُودُ الْبَيْعُ الْمُنْتَقَضُ؛ وَلَوْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ إثْبَاتِهِ بِالْمُسْتَحَقِّ ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ الْفَسْخِ تَبْقَى الْأَمَةُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمُشْتَرِيَ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَهُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ فَبَرْهَنَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ بَائِعِ بَائِعِهِ قُبِلَ لِأَنَّهُ خَصْمٌ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ يُقْبَلُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ رَدَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ أَقَامَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُثْبِتَ بِهَا لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ.
هَكَذَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي بَابِ دَعْوَى الدَّيْنِ بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ فَتَاوَاهُ.
وَذَكَرَ فِي بَابِ مَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ فَتَاوَاهُ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا الْمُقِرِّ.
وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى: ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، بَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْإِقْرَارِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حِينَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا وَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُبْطِلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ بِإِقْرَارِهِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَعْوَى الدَّيْنِ إلَّا أَنْ تُخَصَّ تِلْكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ وَقَصْدِ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِإِحْدَى الْحُجَّتَيْنِ بِعَيْنِهَا فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ يَنْبَغِي عَلَى مَا جَعَلَهُ الْأَظْهَرَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ سَبَقَتْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ اعْتِبَارِهِ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِ حَاجَةِ الْخَصْمِ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ قَضَاءً بِهَا لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ قَضَى بِالِاسْتِحْقَاقِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ الْبَائِعِ لِثُبُوتِ التَّقَابُلِ وَلَوْ لَمْ يَتَرَادَّا وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ يَظْهَرُ فَسَادُ الْفَسْخِ.
وَلَوْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَأْمَنَ غَائِلَةَ الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَأَبْرَأهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِلًا لَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَا يَعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
قَالُوا: وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ):

قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقول بِانْعِقَادِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخْيِيرِهِ، بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ حَيْثُ يَكْفِي مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْعَاقِدِ لِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ لِلْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، قَالَ: (وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ):
مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْفُضُولِيِّ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ بَائِعَك بَاعَ مِلْكِي بِغَيْرِ أَمْرِي لِغَصْبِهِ أَوْ فُضُولِهِ.
وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ الْمُلْتَمَسَةِ فِيهِ فُضُولُهُ، وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا وِلَايَةَ فِيهِ، فَقول بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ.
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهُوَ قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ) وَصَارَ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَطَلَاقِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي عَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَام: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك».
قُلْنَا: الْمُرَادُ الْبَيْعُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ النَّافِذُ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيُسَلِّمَهُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْحَادِثَ يَثْبُتُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ، وَحُكْمُ ذَلِكَ السَّبَبِ لَيْسَ هَذَا، بَلْ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِجَازَةِ مِنْ حِينِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ النَّهْيِ يُفِيدُ هَذَا وَهُوَ قول حَكِيم: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَأْتِينِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك».
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَزَّازِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ سَمِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ.
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ الْخَيَّاطُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ: حَدَّثَنَا الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا رَبِحَ فِيهِ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ دِينَارًا إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَى شَاةً ثُمَّ بَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِك؛ فَأَمَّا الشَّاةُ فَضَحِّ بِهَا، وَأَمَّا الدِّينَارُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» وَقولك لَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، إنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ النَّفَاذِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ إلَى أَنْ يَرَى الْمَالِكُ مَصْلَحَةً فِي الْإِجَازَةِ فَيُجِيزَ فِعْلَهُ أَوْ عَدَمَهَا فَيُبْطِلَهُ مَمْنُوعٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدِ وَالْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ ثُبُوتُهُ فِي الْعُمُومَاتِ.
أَمَّا تَحَقُّقُ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّ الْمَالِكَ يَكْفِي مُؤْنَةَ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَوُفُورَ الثَّمَنِ وَقَرَارَهُ وَنَفَاقَ سِلْعَتِهِ وَرَاحَتَهُ مِنْهَا وَوُصُولَهُ إلَى الْبَدَلِ الْمَطْلُوبِ لَهُ الْمَحْبُوبِ وَالْمُشْتَرِي وُصُولُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ وَدَفْعُهَا بِالْمَبِيعِ وَارْتِفَاعِ أَلَمِ فَقْدِهَا إذَا كَانَ مُهِمًّا لَهُ وَالْعَاقِدُ يَصُونُ كَلَامَهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالْإِهْدَارِ بَلْ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ إذَا نَوَى الْخَيْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى حُصُولِ الرِّفْقِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ خَيْرًا لِكُلٍّ مِنْ جَمَاعَةِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَانَ الْإِذْنُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ثَابِتًا دَلَالَةً، إذْ كُلُّ عَاقِلٍ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ لَهُ بِلَا ضَرَرٍ يَشِينُهُ أَصْلًا وَبِالْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَدْيُونِ، الْمُسْتَغْرِقِ وَبِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَهَذَا أَصْلٌ لِقِيَاسٍ صَحِيحٍ.
لَا يُقَال: فَإِذَا ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ.
لِأَنَّا نَقول: الثَّابِتُ دَلَالَةً مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ الِانْعِقَادُ مَوْقُوفًا عَلَى رَأْيِ الْمَالِكِ فَثَبَتَ بِهَذَا الْقَدْرِ.
فَأَمَّا نَفَاذُهُ بِلَا رَأْيِهِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ، إذْ قَدْ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَيَثْبُتُ، بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، فَإِنَّ الطَّيْرَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا قَبْلَهُ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَبَيْعُ الْآبِقِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَهُوَ عِنْدَنَا مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَعَدَمُ تَوَقُّفِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَلَوْ بِمَالٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ كَالْمَجْنُونِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إذْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ شُرِعَ لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ أَوْ إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ.
قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَرْتِيبِهِ فِي الْحَالِ عَدَمُهُ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ، وَكَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْعَقْدِ مَرْجُوًّا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ.
وَعَنْ هَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ فِي الْحَالِ وَلَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يُرْجَى صَحَّ وَانْعَقَدَ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُضَافًا أَوْ عِنْدَ الشَّرْطِ كَقولنَا هَذَا.
وَقول الْمُصَنِّفِ (تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ، وَالْإِضَافَةِ فِي مِثْلِهِ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ تَمْلِيكٌ وَحَرَكَةٌ هِيَ إعْرَابٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ، وَلِلتَّصَرُّفِ مُجِيزٌ: أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَانْعَقَدَ، وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقول تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْفُضُولِيِّ بِالشِّرَاءِ فَفِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَطَرِيقُهُ الْخِلَافُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْ هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْت فَقَالَ الْفُضُولِيُّ قَبِلْت لِأَجْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، أَمَّا إذَا قَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت هَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت نَفَذَ عَلَى الْفُضُولِيِّ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إجَازَة فُلَانٍ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَافِهِ إلَى رِضَا الْغَيْرِ.
وَقولهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ شَفَاعَتِهِ أَوْ رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا.
قولهُ: (وَلَهُ الْإِجَازَةُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا) وَهُوَ الْمَبِيعُ (وَ) كَذَا (الْمُتَعَاقِدَانِ) وَهُمَا الْفُضُولِيُّ وَاَلَّذِي خَاطَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ أَرْبَعَةٍ: الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمَالِكِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْوُرَّاثِ كَمَا سَنَذْكُرُ، هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا: أَيْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ وَهَذَا (لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعَقْدِ) الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ هَذَا التَّصَرُّفِ وَقِيَامُهُ (بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَالِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْهُ وَهُوَ فَرْعُ وُجُودِهِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ.
عَقْدُ الْفُضُولِيِّ فِي حَقِّ وَصْفِ الْجَوَازِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَأَخَذَتْ الْإِجَازَةُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ، وَلَا بُدَّ فِي الْإِنْشَاءِ مِنْ قِيَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِالتَّفْصِيلِ شَرْطُ بَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَالْمُشْتَرِي لِيَلْزَمهُ الثَّمَنُ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ حَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَالْبَائِعُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا حَيًّا وَالْمَالِكُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ وَارِثِهِ.

متن الهداية:
وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ دَفْعًا لِلْحُقُوقِ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَرْضًا مُعَيَّنًا إنَّمَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْعَرْضُ بَاقِيًا أَيْضًا.
ثُمَّ الْإِجَازَةُ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ.
الشَّرْحُ:
(وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ صَارَ) الْمَبِيعُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّمَنَ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ، فَلَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُهُ (كَالْوَكِيلِ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِهَا صَارَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَبْطُلُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْقُوفِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ يَبْطُلُ الْمَوْقُوفُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ إلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ مِلْكٌ بَاتٌّ لِلْوَارِثِ فِي الْبُضْعِ لِيَبْطُلَ، وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْوَارِثِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوِلَادِ، بِخِلَافِ نَحْوِ ابْنِ الْعَمِّ (وَلِلْفُضُولِيِّ) أَيْ فِي الْبَيْعِ (أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ) حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ لَا يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ (لِيَدْفَعَ الْحُقُوقَ عَنْ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ وَيُخَاصَمُ فِي الْعَيْبِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِالْقول وَلَا بِالْفِعْلِ (لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ) أَيْ كَنَاقِلِ عِبَارَةٍ، فَبِالْإِجَازَةِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَى الْمَالِكِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مَنُوطَةً بِهِ لَا بِالْفُضُولِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالْإِجَازَةِ ضَرَرُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ.
وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ وَالْوَلِيِّ حَقٌّ أَنْ يُجِيزَ، وَكَذَا بِالْفِعْلِ كَأَنْ زَوَّجَ امْرَأَةً بِرِضَاهَا مِنْ غَائِبٍ فَقَبْلَ أَنْ يُجِيزَ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ الثَّانِي أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بَعْدَ عَقْدِهِ فُضُولًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أُخْتَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ لِطُرُوءِ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ (هَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا (إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) بِأَنْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ غَيْرِهِ بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ اُشْتُرِطَ قِيَامُ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَامِسٍ وَهُوَ ذَلِكَ الثَّمَنُ الْعَرْضُ.
وَإِذَا أَجَازَ مَالِكُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَرْضٌ فَالْفُضُولِيُّ يَكُونُ بِبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ مُشْتَرِيًا بِالْعَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْفُضُولِيِّ فَيَصِيرُ مَالِكًا لِلْعَرْضِ، وَاَلَّذِي تُفِيدُهُ الْإِجَازَةُ أَنَّهُ أَجَازَ لِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ مِنْ مَالِهِ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الْعَرْضَ لِنَفْسِك وَانْقُدْ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِي هَذَا قَرْضًا عَلَيْك، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَثَوْبٍ أَوْ جَارِيَةٍ فَقِيمَتُهُ، فَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْجَارِيَةِ أَوْ الثَّوْبِ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَكِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَصْدًا، وَهُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا مُقْتَضًى لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ صِحَّةِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الشِّرَاءُ لَا غَيْرُ، كَالْكَفِيلِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُقْرِضًا حَتَّى يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا لِأَنَّ الثَّوْبَ مِثْلِيٌّ فِي بَابِ السَّلَمِ، فَكَذَا فِيمَا جُعِلَ تَبَعًا لَهُ.
فَكَذَا هُنَا إذْ لَا صِحَّةَ لِشِرَاءِ الْعَبْدِ إلَّا بِقَرْضِ الْجَارِيَةِ، وَالشِّرَاءُ مَشْرُوعٌ فَمَا فِي ضِمْنِهِ يَكُونُ مَشْرُوعًا، هَذَا وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى آخَرَ وَوَجَدَ الشِّرَاءُ النَّفَاذَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْبِقْ بِتَوْكِيلٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ، فَأَمَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالشِّرَاءُ يَتَوَقَّفُ وَفِي الْوَكَالَةِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَجَازَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى آخَرَ بِأَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَقَالَ بِعْت وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْبَيْعَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ) لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَرِّثِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قول أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا، وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ.
الشَّرْحُ:
وَقولهُ (وَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ الْكَبِيرِ جَازَتْ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ ثُمَّ الْإِعَادَةِ، وَقول مُحَمَّدٍ الْقِسْمَةُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ فَلَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ مُقَدَّمٌ.
وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ، وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ بَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ لِتَضَمُّنِ التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا، فَإِذَا مَلَكَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُتَصَوَّرُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِيَ بَطَلَ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْفُضُولِيِّ لَا بِمَا ضَمِنَ.
وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْبَائِعِ نُظِرَ إنْ كَانَ قَبَضَ الْبَائِعُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ وَهُوَ غَصْبُهُ تَقَدَّمَ عَقْدُهُ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ أَمَانَةً، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ تَأَخَّرَ عَنْ عَقْدِهِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَضْمِينِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَهُ أَوَّلًا حَتَّى صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ، هَذَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنِ دَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
(وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قول أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ) رَحِمَهُ اللَّهُ (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْآخِرَةِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ، وَلَا أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزُ الْبَائِعُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَسْرَعُ نَفَاذًا حَتَّى نَفَذَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَتَوَقَّفَ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ فَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ وَكَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَهِيَ مُسْتَغْرِقَةٌ بِالدُّيُونِ يَصِحُّ، وَيَنْفُذُ إذَا قَضَى الدُّيُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصْلًا، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَيْعَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، لَكِنَّهُمْ أَثْبَتُوا خِلَافَهُ مَعَ زُفَرَ فِي بُطْلَانِ الْعِتْقِ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ.
وَإِثْبَاتُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ بِهَذَا لَا يَجُوزُ لِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ صَرِيحًا.
وَأَقَلُّ مَا هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ، وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالُوا: وَقول مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ.
وَقول أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ.
وَجْهُ قول مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا عِتْقَ بِلَا مِلْكٍ لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) وَقْتَ الْعِتْقِ (وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْآخِرَةِ) أَيْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ (ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ) وَقْتَ الْعِتْقِ (مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ سَلَف تَخْرِيجُهُ.
(وَلِهَذَا) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ (لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانُ وَلَا الْمُشْتَرِي) يَشْرِطُ (الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزُ لِلْبَائِعِ) الْبَيْعُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ (حَتَّى نَفَذَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ) بَعْدَ أَنْ بَاعَ (وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ) وَلَا الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى إذَا أُجِيزَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْمِلْكِ عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ فُضُولِيٌّ أَمْرَ امْرَأَةِ رَجُلٍ بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ بَلْ يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا الْآنَ طَلُقَتْ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَا.
(وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ (فَيَثْبُتُ الْإِعْتَاقُ مَوْقُوفًا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ) وَمُطْلَقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَخَرَجَ جَوَابُ قولهِ لَا يَصِحُّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ إذْ الْخِيَارُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لَا بَاتًّا وَلَا مَوْقُوفًا، وَقَدْ يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْفَتْحُ أَصَحُّ، وَبِمَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْغَصْبِ؛ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قولهِ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ، عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ سَبَبًا مَوْضُوعًا لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يُعْتَبَرَ سَبَبًا لَا أَنَّهُ وُضِعَ سَبَبًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ.
وَأَمَّا بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِبُطْلَانِ عَقْدِهِ بِالْإِجَازَةِ، فَإِنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاتًّا، وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَبْطَلَهُ.
وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْبَاتِّ مَعَ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ يَطْرَأُ فِيهِ الْبَاتُّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِلْكٌ بَاتٌّ وَعَرَضَ مَعَهُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ (وَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ) فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ إعْتَاقٌ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ (وَكَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ ثُمَّ يَنْفُذُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ. وَأَمَّا) عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ (إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ) فَنَقول (يَنْفُذُ) كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالُ الرَّأْيِ ابْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ فِي وَقْفِهِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ.
ذَكَرَ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَاعَهَا فَوَقَفَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَدَّى الْغَاصِبُ ضَمَانَهَا حَتَّى مَلَكَ قَالَ يَنْفُذُ وَقْفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى، وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَفِي التَّفْوِيضِ الْمَوْقُوفِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَمْ يَسْتَعْقِبْ حُكْمَهُ وَتَوَقَّفْ إنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ جُعِلَ مُعَلَّقًا وَإِلَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إنْ أَمْكَنَ فَالْبَيْعُ لَيْسَ مِمَّا يُعَلَّقُ فَيُجْعَلُ سَبَبًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْإِجَازَةِ ظَهَرَ أَثَرُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَلِذَا مَلَكَ الزَّوَائِدَ.
وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَجَعَلْنَا الْمَوْجُودَ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُعَلَّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ لِلْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَتَعَلَّقُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَالِ التَّوَقُّفِ سَبَبًا لِمِلْكِ الطَّلَاقِ بَلْ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الْمُسْتَعْقَبِ لَهُ إذَا ثَبَتَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الطَّلَاقِ مَقْصُودًا لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِضِدِّ ذَلِكَ مِنْ انْتِظَامِ الصَّالِحِ بَيْنَهُمَا لَا لِوُقُوعِ الشَّتَاتِ بِالْفُرْقَةِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمَقْصُودِ أَوَّلًا وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ لَيْسَ إلَّا لِصِحَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَقْصُودًا لِصِحَّةِ الْعَتَاقِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا عِتْقَ» الْحَدِيثُ النَّافِذُ فِي الْحَالِ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ لُزُومَ الْمِلْكِ لِلْعِتْقِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا فَإِنَّا لَمْ نُوقِعْهُ قَبْلَ الْمِلْكِ.
فَحَاصِلُ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي يَرْجِعُ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمِلْكُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ لَا فِي مِلْكٍ فَيَبْطُلُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّ الْأَصْلَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ وَالتَّأْخِيرِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ وَالضَّرَرِ فِي نَفَاذِ الْمِلْكِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ، وَبَعْدُ فَالْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِدَفْعٍ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَنْعٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ كَامِلٍ وَقْتَ ثُبُوتِهِ بَلْ وَقْتُ نَفَاذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

متن الهداية:
قَالَ: (فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمَوْلَى، فَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا مَرَّ.
(وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ.
قَالَ: فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَرَرُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبِهِ.
وَحَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ يُجِيزَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتِقَهُ وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوَهُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَرْشِ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَلَكِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَرْعَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ تَتَفَرَّعُ عَلَى إجَازَةِ بَيْعِ الْغَاصِبِ: أَوَّلُهَا مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا.
وَالثَّانِي مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ بَعْدَ أَنْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً فَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْأَرْشَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لِأَنَّ قَطْعَ يَدِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ إذَا لَمْ يَفُتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِقَطْعِهَا.
بِخِلَافِ مَوْتِهِ فَإِذَا لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ ظَهَرَ أَنَّهُ قُطِعَ فِي مِلْكِهِ فَيَسْتَحِقُّ أَرْشَ يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ فَمَلَكَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ الزَّوَائِدُ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا لِوَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي الْمُتَّصِلِ لَا الْمُنْفَصِلِ ثُمَّ (يَتَصَدَّقُ) هَذَا الْمُشْتَرِي (بِمَا زَادَ) مِنْ أَرْشِ الْيَدِ (عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ أَيْ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ (لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ) لَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيَّ نِصْفَهُ وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ، فَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ يَكُونُ رَبِحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهَذَا لِأَنَّ أَرْشَ يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَالْحُرُّ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ (فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَرْشِ يَثْبُتُ يَوْمَ الْقَطْعِ مُسْتَنِدًا إلَى يَوْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ.
وَأُورِدَ عَلَيْهِ لَوْ وَجَبَ التَّصَدُّقُ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الزَّوَائِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ فِي الْكُلِّ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِعَيْنِ الْمَذْكُورِ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الزَّوَائِدِ.
وَلَوْ قِيلَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ إنَّمَا تُؤْثِرُ الْمَنْعَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا بِانْفِرَادِهِ دُفِعَ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَضْمَنْ يَسْتَقِلُّ بِالْمَنْعِ اتِّفَاقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ إذْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا.
وَوَزَّعَ فِي الْكَافِي الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَقْبُوضًا وَأَخَذَ الْأَرْشَ يَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ الْعَبْدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ كَانَ أَخَذَ الْأَرْشَ بَعْد الْقَبْضِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ أَيْ الْمِلْكُ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى بَيْعَ الْغَاصِبِ كَانَ الْأَرْشُ لِلْعَبْدِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذِهِ أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُوَ (حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ) يَعْنِي كَوْنُ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ فِي مِلْكٍ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا اسْتِحْقَاقُ أَرْشٍ مَمْلُوكٍ بِمِلْكٍ مَوْقُوفٍ (وَالْعُذْرُ لَهُ) أَيْ جَوَابُهُ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ) إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ عَجَزَ فَـ (رُدَّ فِي الرِّقِّ فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى) مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ حَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ) الْبَائِعُ (الْبَيْعَ) يَكُونُ (الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا مَرَّ) حَيْثُ لَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا الْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَالثَّالِثُ مِنْ الْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ بِقولهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ) أَيْ بَيْعَ الْغَاصِبِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مِنْ الْآخَرِ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قولهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكًا بَاتًّا إلَى آخِرِهِ (وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ) أَيْ بَيْعِ الْغَاصِبِ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَرَرُ) الِانْفِسَاخِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْبَيْعُ كَمَا يَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ.
وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا غَاصِبًا أَوْ غَيْرَ غَاصِبٍ، إذْ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ مُعَارِضًا لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ مُرَجِّحًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ مِنْ غَيْرِ شَائِبَةِ ضَرَرٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ ثَابِتًا فِي الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حَتَّى يَطْلُبَ مُشْتَرِيًا آخَرَ فَتَجَرُّدُ الْبَيْعِ الثَّانِي عُرْضَةٌ لِلِانْفِسَاخِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِلَا اعْتِبَارِ النَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا، لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ خُصُوصًا فِي الْمَنْقولاتِ لِجَوَازِ هَلَاكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَسِخُ فَالْمُعْتَبَرُ مَانِعًا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ الَّذِي لَمْ يُشْبِهْ نَفْعًا.
وَفَرَّقَ الْعَتَّابِيُّ بِغَيْرِ هَذَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ لِلْمِلْكِ فَهُوَ مُقَرَّرٌ لِلْمِلْكِ حُكْمًا، وَالْمُقَرَّرُ لِلشَّيْءِ مِنْ حُقُوقِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَالْبَيْعُ إزَالَةٌ لَهُ بِلَا إنْهَاءٍ فَكَانَ ضِدًّا مَحْضًا لِحُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ وَلَا يَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ.

متن الهداية:
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ شُرُوطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْقَتْلِ، إذْ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ حَتَّى يُعَدَّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ فَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَابِتٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْبَدَلِ لَهُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِقِيَامِ خَلَفِهِ.
الشَّرْحُ:
وَالرَّابِعُ مَا ذَكَرَهُ بِقولهِ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي وَ) لَكِنْ (مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ؟ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ شَرْطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ) وَهَذَا فِي الْمَوْتِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ إيجَابَ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ بَدَلِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا قُتِلَ فِيهِ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، بَلْ يَجْعَلُ قِيَامَ بَدَلِهِ كَقِيَامِهِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ فَيَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَرْجِعَ بِبَدَلِ الْعَبْدِ عَلَى قَاتِلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَهُ فَيَصِيرَ إلَى الْبَائِعِ فَدَارَ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَالَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مَوْقُوفٌ، وَالْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ لَا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَبِيعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِلتَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا صَدَّقَ مُدَّعِيَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ تُقْبَلُ.
وَفَرَّقُوا أَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَشَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَنْ لَا يَكُونُ الْعَيْنُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) قولهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَيْسَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ صُورَتُهَا: بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ فَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ مَالِكُهُ بِبَيْعِهِ أَوْ أَقَامَ عَلَى قول رَبِّ الْعَبْدِ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ رَدَّ الْعَبَدِ فَإِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ عَلَى الدَّعْوَى، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ دَلِيلُ دَعْوَاهُ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَدَعْوَاهُ إقْرَارُهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ يُنَاقِضُهُ، إذْ هُوَ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى فَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تُقْبَلْ؛ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بَلْ ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَمَرَك أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ الْأَمْرِ فَالْقول لِمَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ لِأَنَّ الْآخَرَ مُنَاقِضٌ، إذْ إقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ دَلِيلُ اعْتِرَافِهِ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ نَاقَضَ بِدَعْوَاهُ عَدَمَ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ الْآخَرِ، وَلِذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَا الْبَاطِلَةِ.
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْبُطْلَانِ، وَالرَّدِّ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالشَّيْءِ بَعْدَ إنْكَارِهِ إيَّاهُ، إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ: يَعْنِي إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً، فَإِذَا وَافَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَلِذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَكُونَ نَقْضًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْبَائِعِ، وَالْمُرَادُ بِفَسْخِ الْقَاضِي أَنَّهُ يُمْضِي إقْرَارَهُمَا لَا أَنَّ الْفَسْخَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَفُرُوعِهَا أَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُمَا نَفَذَ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ وَتَقَرَّرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا وَقَالَ كُنْت أَمَرْته كَانَ الْقول قولهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْدَامَهُمَا إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِالْأَمْرِ فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُمَا فِي حَقِّهِ، وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لَهُ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْبَائِعِ لَا لَهُ، وَيَبْطُلُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ لِلْآمِرِ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ.
وَعَلَى قول أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ.
قولهُ: (وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ) إلَى آخِرِهِ.
صُورَةُ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَاهَا مُسْتَحِقٌّ كَانَ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي أَمَرَ بِتَسْلِيمِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ جَحَدَ دَعْوَاهُ فَحَلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِهِ.
فَرْقٌ بَيْن هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلَهُ بِإِقْرَارِهِ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ يَلْزَمُهُ كَرَدِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخْتَارٌ فِي النُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ وُجُودِ مَا يُطَلِّقُ لَهُ الْحَلِفَ وَهُوَ الْبَيْعُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ، لَوْ كَانَ مُضْطَرًّا فَالِاضْطِرَارُ إنَّمَا لَحِقَهُ بِعَمَلٍ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ نُكُولِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
أَمَّا الْوَكِيلُ فَمُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلِقُ لَهُ الْحَلِفَ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَالِكِ يَخْفَى عَلَيْهِ عَيْبُ مِلْكِ الْمَالِكِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ، لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَبِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَبِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ نَاقَضَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ.
رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا وُهِبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْوَاهِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْجَارِيَةِ وَالْعُقْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَفَرَّقَ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَاهِبِ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَنَاقُضَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا قُبِلَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا قَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُتَنَاقِضِ الْمُدَّعِي بِهَا بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ وَالْفَاعِلِ بِنَفْسِهِ لِلتَّدْبِيرِ مَثَلًا، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِعْلُ نَفْسِهِ مِنْ اسْتِيلَادِهِ وَوَطْئِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ تَنَاقُضُهُ وَلَا يُحْكَمَ بِبَيِّنَتِهِ.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ فَبِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الْغَائِبِ قُبِلَ الْبَيْعُ مِنْهُ فَقَدْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إقْرَارٌ مِنْ الْبَائِعِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي.
ثُمَّ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِإِقْرَارِهِ، وَهُوَ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ وَيَثْبُتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ إقْرَارُ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ مُنَاقِضًا فَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَهُوَ يُثْبِتُ بِهَذَا تَصْدِيقَ الْخَصْمِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَا تُقْبَلُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ الْوُصُولَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ.
وَلَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوُصُولَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ.
وَفَرْقٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ، كَمَا لَا تُقْبَلُ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ مُدَّعِيًا حَقَّ الرُّجُوعِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ: وَضَعَ فِيمَا إذَا أَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَمَعَ هَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ.
لِأَنَّا نَقول ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَخَذَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا هُوَ فَرْقُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا أَسْمَعْتُك، فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، أَمَّا إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ فَتُقْبَلُ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْبَيْعِ.
قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَتَقَعُ الْغُنْيَةُ عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى.
وَقِيلَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ وَالزِّيَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّنَاقُضُ فَقُبِلَتْ.
وَمِمَّا يُنَاسِبُ الْمَسْأَلَةَ: بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ مَوْلَاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ وَرِثَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي سَلْ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ لَيْسَتْ لَهُ؟ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ مَظْلُومٌ وَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَلْزَمَهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَهُ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّمَا يُحَلِّفُهُ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنَى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، فَإِذَا جَحَدَ يَسْتَحْلِفُ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، فَإِنَّهُ قِيلَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِأَنَّ شِرَاءَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ إنْكَارُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَكَمَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ.
دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَأْذُونِ: اشْتَرَى عَبْدٌ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ أَنَا مَحْجُورٌ وَقَالَ الْبَائِعُ مَأْذُونٌ فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى لَا تُقْبَلُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ خَصْمَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ يَلْزَمُهُ.
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْبَائِعِ أَنَّك مَا بِعْته مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ يَلْزَمُهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُنَاقِضٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْعَقْدَ أَصْلًا وَلَا الثَّمَنَ، فَإِنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ مُنْعَقِدٌ وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ وَصْفَ الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ مُتَنَاقِضًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَجَعَلْنَاهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْيَمِينِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِهِمَا، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، فَلَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّهَا يَلْزَمُنَا أَنْ لَا نَجْعَلَهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُنْكِرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ أَصْلًا، لِأَنَّ شِرَاءَ الْمَحْجُورِ لَا يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ فَكَانَ مُنَاقِضًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُوَافَقَةِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْفَرْقِ قَالَ: وَلَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْجَارِيَةُ وَلَكِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ، فَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي بِحُرِّيَّتِهَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ.
أَمَّا حُرِّيَّةُ الْجَارِيَةِ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ نُكُولَهُ وَإِقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ قولهُ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي دَعْوَى الرِّقِّ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى الْأَمَةِ فَلَا مَعْنَى لِقولهِ فَأَبَى الْمُشْتَرِي الْيَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ الْأَمَةُ وَسُلِبَتْ فَانْقَادَتْ لِذَلِكَ فَانْقِيَادُهَا كَإِقْرَارِهَا بِالرِّقِّ فَدَعْوَاهَا الْحُرِّيَّةَ كَدَعْوَى الْعِتْقِ الْعَارِضِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهَا حُرَّةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ.
فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاقِضٍ فِي فَصْلِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ فِيهَا يَظْهَرُ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَنْفِي انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ، فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ مُظْهِرَةً أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ.
أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَلَا مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، فَلَوْ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَظْهَرُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ، وَمَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ وَيَصِيرُ مُكَذِّبًا شُهُودَهُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي الْفَصْلَيْنِ، إلَّا أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ وَقْفٌ.
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ كَالْبَيْعِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا حُرَّةٌ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى حُرْمَةِ الْفَرْجِ فَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، حَتَّى لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَمَةِ عَبْدٌ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ، وَعَلَى قولهِمَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ الدَّعْوَى.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ أَبَى الْيَمِينَ وَقَضَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ، إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَكَانَ مُدَّعِيًا لِلدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقِضًا، فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بَيْنَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْعَقْدِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً مَحَلًّا لِلْعَقْدِ، وَالْإِعْتَاقُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يُبْطِلُ الشِّرَاءَ السَّابِقَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرًا، وَكَانَ يَقول أَوَّلًا: يَضْمَنُ الْبَائِعُ، وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ) أَيْ عَرْصَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
وَفِي جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ بَعْدَمَا أَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ فَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَنْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُ (وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَكَانَ يَقول أَوَّلًا يَضْمَنُ، وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ) هَلْ يَتَحَقَّقُ أَوْ لَا؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَلَا يَضْمَنُ، وَعَنْهُ مُحَمَّدِ نَعَمْ فَيَضْمَنُ.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ:
بَاعَ الْأَمَةَ فُضُولِيٌّ مِنْ رَجُلٍ وَزَوَّجَهَا مِنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً؛ وَلَوْ زَوَّجَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا بَطَلَا، وَلَوْ بَاعَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا تُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا وَيُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَخْذِ النِّصْفِ أَوْ التَّرْكِ.
وَلَوْ بَاعَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ زَوَّجَهُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى، وَكَذَا تَثْبُتُ الْهِبَةُ إذَا وَهَبَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
وَالْإِجَارَةُ أَحَقُّ مِنْ الرَّهْنِ لِإِفَادَتِهَا مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ، فَفِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ كَهِبَةِ فُضُولِيٍّ عَبْدًا وَبَيْعِ آخَرَ إيَّاهُ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ تُسَاوِي الْبَيْعَ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ كُلٌّ النِّصْفِ.
وَلَوْ تَبَايَعَ غَاصِبًا عِرْضَيْ رَجُلٍ وَاحِدِ لَهُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْبَيْعِ ثُبُوتُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُمَا حَاصِلَانِ لِلْمَالِكِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِدُونِ هَذَا الْعَقْدِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَلَمْ تَلْحَقْهُ الْإِجَازَةُ.
وَلَوْ غَصْبًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَتَبَايَعَا وَأَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ.
وَلَوْ غَصَبَا النَّقْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَقْدَ الصَّرْفِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَجَازَ جَازَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِينَ مِثْلَ مَا غَصَبَ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَلَوْ وَصَلَ إلَى الْمَالِكِ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَوْ تَمَامِ الْمُدَّةِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ لَمْ يُجِيزَا فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْبَيْعِ بِهِمَا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ، وَقِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ.
وَفِي الْمُرْتَهِنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: بَيْعُ الْمَغْصُوبِ مَوْقُوفٌ إنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، فَلَوْ أَجَازَ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِشْرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ شِرَاءَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبٍ جَاحِدٍ يَجُوزُ وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الدَّعْوَى.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا وَبَاعَهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْغَاصِبَ صَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ عَلَى شَيْءٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ صَالَحَهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَنْفُذُ بَيْعُ الْغَاصِبِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ كَانَ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَبْطُلُ بَيْعُ الْغَاصِبِ.
وَمِنْ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ بَيْعُ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ، وَكَذَا شِرَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَالِدِهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ الْقَاضِي، وَكَذَا الَّذِي بَلَغَ سَفِيهًا، وَالْمَعْتُوهُ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ فَاسِدٌ، فَلَوْ قَبَضَ الْمَوْلَى الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ وَيَهْلَكُ الثَّمَنُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَنَقَضَهُ بَعْضُهُمْ بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَالْمُشْتَرِي لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَمِنْهُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ صِحَّةِ الْمَرِيضِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَطَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.